دراسات إسلامية 

أعيادنا .. فرحة بريئة

 

 

 

 

بقلم : سعادة الدكتور الشيخ سعد المرصفي

 

     أعيادنا ..

     عيدُ الفطر المبارك مناسبة إسلامية عظيمة، فيها يفرح المسلمون رجالاً ونساءً وأطفالاً، يلتقون خلالها مهنّئين ومباركين، ويَصِلون الأرحام ويصلحون ذات البين، ويروّحون عن أنفسهم، والعيدُ في الإسلام يحمل العديدَ من الخصائص والأدبياتِ التي يجب على كلّ مسلم أن يهتدي بها.

     يروي «أحمد» وغيره بسند صحيح عن «أنس» – رضي الله عنه – قال:

     قدم رسول الله – «المدينة» ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال: «إن الله قد أبدلكم خيرًا منهما: يومُ الفطر، ويومُ النحر»!

     ويروي الشيخان وغيرهما عن «عائشة» – رضي الله عنها – قالت: دخل «أبوبكر»، وعندي جاريتان، من جواري الأنصار، تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين فقال أبوبكر: أ مزاميرُالشيطان في بيت رسول الله – –؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله – – يا أبا بكر! إن لكلّ قوم عيدًا ، وهذا عيدُنا» .

     قال «ابن حجر»: فيه تعليلُ الأمر بتركهما، وإيضاح خلاف ما ظنّه الصديق، من أنّهما فعلتا ذلك بغير علمه – صلى الله عليه وسلم – لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه، فظنّه نائمًا، فتوجّه له الإنكار على ابنته من هذه الوجه، مستصحبًا لما تقرّر عنده من منع الغناء واللهو، فبادر إلى إذكار ذلك، قيامًا عن النبي – – بذلك، مستندًا إلى ما ظهر له، فأوضح له النبيُّ – – الحال . وعرّفه «الحكم» مقرونًا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد !.

     أي يوم سرور شرعي فلا يُنكَر فيه مثل هذا كما لا يُنْكَر في الأعراس، وبهذا يرتضع الإشكال عمن قال:

     كيف ساغ للصديق إنكارُ شيء أقرّه النبي – – ؟.

     وتكلّف جوابًا لا يخفي تعسفه !

     قال «القرطبي»: قولها: (وليستا بمغنيتين) أي ليستا ممن يعرف الغناء، كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرّك السكان، ويبعث الكامن، وهذا النوعُ إذا كان في شعرٍ فيه وصفُ محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمة!

     قال: وأمّا ما ابتدعه الصوفيةُ في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه؛ لكن النفوسَ الشهوانيةَ غلبت على كثير ممن يُنْسَب إلى الخير، حتى لقدظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان، حتى رقصوا بحركات متطابقة، وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقع بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال، وأن ذلك يثمر سيئ الأحوال، وهذا – على التحقيق – من آثار الزندقة، وقول أهل المخرفة، والله المستعان . هـ!

     وأما التفافه صلى الله عليه وسلم بثوبه ففيه إعراض عن ذلك، لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك!

     لكن عدم إنكاره دالٌّ على تسويغ مثل ذلك، على الوجه الذي أقرّه؛ إذ لا يقر على باطل! والأصلُ التنزّه عن اللعب واللهو، فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتًا وكيفيةً، تقليلاً لمخالفة الأصل، والله أعلم!

     وفي هذا الحديث من الفوائد :

     1- مشروعيةُ التوسعة على العيال في أيام الأعياد، بأنــواع ما يحصـل لهم بسط النفس، وترويج البدن، من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى!

     2- وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين !

     3- وفيه جواز دخول الرجل على ابنته، وهي عند زوجها، إذا كان له بذلك عادة، وتأديب الأب بحضرة الزوج، وإن تركه الزوج؛ إذ التأديبُ وظيفة الأباء، والعطفُ مشروع من الأزواج للنساء!

     4- وفيه الرفق بالمرأة واستجلاب مودّتها، وأن مواضع أهل الخير تنزّه عن اللهو اللغو، وإن لم يكن فيه إثم، إلا بإذنهم!

     5- وفيه أنّ التلميذ إذا رأى عند شيخه ما يستنكره مثله بادر إلى إنكاره، ولا يكون في ذلك افتئات على شيخه، بل هو أدب منه، ورعاية لحرمته وإجلال لمنصبه!

     6- وفيه فتوى التلميذ بحضرة شيخه، بما يعرف من طريقته!

     7- ويحتمل أن يكون «أبوبكر» ظنّ أن النبي – – نام، فخشي أن يستيقظ، فيغضب علىابنته، فبادر إلى سدّ هذه الذريعة!

     8- وفي قول «عائشة» – رضي الله عنها – في رواية للحديث: (فلما غفل غمرزتهما فخرجتا) دلالةٌ على أنها مع ترخيص النبي – – لها في ذلك، راعتْ خارط أبيها، وخشيتْ غضبه عليها فأخرجتهما، واقتناعها في ذلك بالإشارة فيما يظهر، للحياء من الكلام بحضرة من هو أكبر منها، والله أعلم!

     9- واستدلّ به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء، ولو لم تكن مملوكه ؛ لأنه – – لم ينكر على «أبي بكر» سماعه؛ بل أنكر إنكاره، واستمرتا إلى أن أشارتْ إليهما «عائشة» بالخروج ولا يخفى أن محلّ الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك، والله أعلم!

     10- واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين، والتشبّه بهم، وبالغ الشيخ «أبو حفص» الكبير النسفيّ من الحنفية فقال: من أهدى فيه بيضة إلى مشرك، تعظيمًا لليوم، فقد كفر بالله تعالى!.

شهود العيدين :

     ويروي «الشيخان» وغيرهما عن «حفصة» قالت: كنّا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين، فقدمت امرأة؛ فنزلتْ قصر «بني خلف» فحدثت عن أختها – وكان زوج أختها غزا مع النبي – – ثنتي عشرة، وكانت أختى معه في ست – قالت: كنا نداوي الكلمى، ونقوم على المرضى، فسألت أختي النبي – – :

     أ على إحدانا بأسٌ إذا لم يكن لها جلبابٌ أن لا تخرج؟ قال:  «لتلبسها صاحبتها من جلبابها، ولتشهد الخير ودعوة المسلمين، فلما قدمت «أم عطية» سألتها :

     أسمعت النبي – – ؟

     قالت : بأبي نعم – وكانت لا تذكره إلا قالت (بأبي) – سمعته يقول: «يخرج العواتق وذوات الخدور – أو العواتق ذوات المخدور – والحيض، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحُيَّض المصلّى» .

     قالت «حفصة»: فقلت: «الحُيَّض»؟ فقالت: أليس تشهد عرفة وكذا وكذا؟!

     وهنا نبصر المسلم في فرح وسرور، ويشر وحبور!

النهي عن الصوم

     ويروي «الشيخان» وغيرهما عن «أبي عبيد»، «مولى ابن أزهر»:

     أنه شهيد العيد يوم الأضحى، مع «عمر بن الخطاب» – رضي الله عنه – فصلّى قبل الخطبة، ثم خطب الناس فقال:

     يا أيها الناس! إن رسول الله – – قد نهاكم عن صيام هذين اليومين:

     أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم !

     وأما الآخر فيوم تأكلون من نسككم!

     ويروي «أحمد» وغيره بسند صحيح عن «عقبة بن عامر» قال: قال رسول الله – صلى الله عليه – :

     «يوم عرفه، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهنّ أيام أكل وشرب»!

من أحكام عيد الفطر

     أولاً: الاستعدادُ لصلاة العيد بالتنظّف، ولبس أحسن الثياب: فقد أخرج «مالك» في موطئه عن «نافع»: «أن «ابن عمر» – رضي الله عنهما – كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلّى»، وهذا إسناد صحيح.

     قال «ابن القيم» : «ثبت عن «ابن عمر» مع شدّة اتباعه للسنّة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه». (زاد المعاد 442/1)

     وثبت عن «ابن عمر» – رضي الله عنهما – أيضًا لبس أحسن الثياب للعيدين . قال «ابن حجر»: «روى «ابن أبي الدنيا» و «البيهقي» بإسناد صحيح إلى «ابن عمر» أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين». (فتح الباري 51/2).

     ثانياً: يسنّ قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر أن يأكل تمرات وترًا: ثلاثًا أو خمسًا، أو أكثرَ من ذلك يقطعها على وتر: لحديث «أنس» – رضي الله عنه – قال: «كان النبي – – لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترًا» أخرجه البخاري.

     ثالثًا: يسنّ التكبير والجهر به – ويسر به النساء – يوم العيد من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلّى؛ لحديث «عبد الله بن عمر» – رضي الله عنهما – : «أن رسول الله كان يخرج في العيدين .. رافعًا صوته بالتهليل والتكبير» (صحيح بشواهده، وأنظر الإرواء 123/3) . وعن «نافع»: «أن «ابن عمر» كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلّى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام؛ فيكبر بتكبيره». أخرجه «الدار قطني» بسند صحيح. ومن صيغ التكبير، ما ثبت عن «ابن مسعود» – رضي الله عنه – : «أنه كان يكبر أيامَ التشريق: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أخرجه «ابن أبي شيبة» بسند صحيح .

     تنبيه: التكبيرُ الجماعيُّ بصوت واحد بدعة لم يثبت عن النبي – – ولا عن أحد من أصحابه. والصوابُ أن يكبّر كل واحد بصوت منفرد .

     رابعًا : يسنّ أن يخرج إلى الصلاة ماشيًا: لحديث «علي» – رضي الله عنه – قال: من السنّة أن يخرج إلى العيد ماشيًا . أخرجه الترمذي، وهو حسن بشواهده .

     خامسًا : يسنّ إذا ذهب إلى الصلاة من طريق أن يرجع من طريق آخر: لحديث «جابر» – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله – – إذا كان يوم عيد خالَف الطريق  أخرجه «البخاري» .

     سادسًا : تُشْرَع صلاةُ العيد بعد طلوع الشمس وارتفاعها، بلا أذان ولا إقامة وهي ركعتان: يكبر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات ويسنّ أن يقرأ الإمام فيها جهرًا بعد الفاتحة سورة (الأعلى) في الركعة الأولى و (الغاشية) في الثانية، أوسورة (ق) في الأولى و (القمر) في الثانية، وتكون الخطبة بعد الصلاة، ويتأكّد خروج النساء إليها .

     سابعًا: إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة، فمن صلّى العيد لم تجب عليه صلاة الجمعة : لحديث «ابن عباس» – رضي الله عنهما – عن رسول الله – – قال : «اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله» «أخرجه ابن ماجة» بسند جيد، وله شواهد كثيرة.

     ثامنًا : إذا لم يعلم الناس بيوم العيد إلا بعد الزوال صلّوها جميعًا من الغد .

     تاسعًا : لا بأس بالمعايدة. وأن يقول الناس: (تقبّل الله منّا ومنك) .

     عاشرًا : يومُ العيد يوم فرح وسعة. فعن «أنس» – رضي الله عنه – قال : قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم «المدينة» ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال: «ما هذان اليومان؟ قالوا: كنّا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله – – : إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر».

     أخرجه «أحمد» بسند صحيح .

     حادي عشر: احذر أخي المسلم الوقوع في المخالفات الشرعية التي يقع فيها بعض الناس من أخذ الزينة المحرمة كالإسبال، وحلق اللحية، والاحتفال المحرم من سماع الغناء، والنظر المحرم، وتبرّج النساء واختلاطهن بالرجال .

     واحذر أيها الأب الغيوّر من الذَّهاب بأسرتك إلى الملاهي المختلطة، والشواطئ والمنتزهات التي تظهر فيها المنكرات .

 

*  *  *

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رمضان - شوال 1427هـ = أكتوبر - نوفمبر 2006م ، العـدد : 9-10 ، السنـة : 30.